آراء

د. حسن السوداني : الشك الى درجة اليقين!

اهتم العراقيون كثيرا كعادتهم في تلقي  كل ما  يهم العراق وتاريخه بخبر وضع مدينة بابل علي لائحة التراث العالمي من قبل اليونسكو..

خبر له ما له وعليه ما عليه.  عشرات المواقع التاريخية في العالم  دخلت تلك اللائحة وليس لها من سمعة وارث بابل ما يقارن بها.. وهو ما يثير سؤالا محيرا عن سبب ذلك  يرجعه البعض الى السياسة  والحكومات والتأمر العالمي وفساد السلطات الحالية والسابقة, غير اني لم التفت الى ذلك كله وتذكرت حادثة مررت بها  تفسر لي -علي الاقل – تلك اللماذا المزعجة.. وتحديدا في عام 1995 واثناء تطبيقي لبحثي التجريبي  لاطروحة الدكتوراه  التي تناولت فيها موضوعة  التذكر واخترت اثار بابل كأنموذج للدراسة ..

ذهبت حينها الى مديرية الآثار  وكان مديرها حين ذاك د. موفق سعيد وهو اثاري عراقي ذاع صيته بعد اكتشاف كنز النمرود في مدينة الموصل عام 1988 والمتكون من 613 قطعة من الاحجار الثمينة..

لم اجده في مكتبه فذهبت للمكتبة التي تضم الوثائق الفلمية التي احتاج بعضها في اطروحتي.. وقابلت موظفة لطيفة تعمل هناك دلتني على الخزانات التي تحتوي تلك الافلام المطلوبة وهالني انها مخزنة بطريقة غير صحيحة تقنيا تعرضها للتلف السريع..

طلبت من الموظفة ان تعطيني جهاز تشغيل لاعيد حركة الاشرطة واستغرق الامر حتى نهاية الدوام الرسمي  ونحن نعمل بسرعة لانقاذ عشرات الافلام من التاكسد بسبب طيلة فترة الخزن!! 

في اليوم التالي اكملت المهمة مع الموظفة وذهبت لمقابلة  المدير  الذي سالني بسخرية بعد ان شرحت له اهمية بحثي واهدافه.. تريد انطيك بعض الصور؟..اذا تريد اشتري كاميرا  وروح صور بالمواقع الاثرية!!

قلت له لكن المكتبة مليئة بتلك الصور وهي متاحة  للباحثين الاجانب بكل يسر!! اجابني بشدة.. اخي ممنوع.. هاي تعليمات القيادة!!  فتحت حقيبتي واخرجت ملفاً من الصور الشفافة (السلايدات) عن مواقع التنقيب كنت قد اشتريتها من شارع المتنبئ وسلمتها للمدير  وقلت له.. هذا الممنوع ينباع بالشارع العام.. خذهن بلكت يفيدن الباحثين الاجانب!! 

لم يسمح لي المدير ان استعير اي شيء وسمعت ان طُرد بعد ذلك بسبب اعمال مخلة بشرف المهنة ..

ظلت الحادثة  في ذاكرتي  استعيدها كلما سمعت خبرا عن اهمال المواقع الاثارية ودونيتنا اما الاخر واستاسادنا علي ابناء جلدتنا.. 

الان دخلت بابل السجل العالمي  للاثار فهل ستتغير عقلية موفق سعيد وامثاله.. اشك في ذلك الى درجة اليقين!!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى