تحقيقات ومقابلات

من الغواصات إلى النووي.. كيف تُضيّق الصين الفجوة العسكرية مع أمريكا؟

تفوقت البحرية الصينية على نظيرتها الأمريكية باعتبارها الأكبر في العالم عام 2020 وهي الآن محور قوة قتالية يصفها البنتاغون بـ”تحدي السرعة”، لكن السؤال الذي يزعج القادة العسكريين الصينيين والغربيين هو: هل يمكن للصين أن تستمر على نفس المسار، وتوسيع قدرتها بلا هوادة لتحدي الهيمنة الأمريكية؟
تقول صحيفة “إيكونومست” في تقرير مطوّل، إنه في الأشهر الأخيرة، قدّم بعض العلماء الأمريكيين هذه القضية، بحجة أن الصين قد تهاجم تايوان قريباً، الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، وكتب هال براندز ومايكل بيكلي، العالمان السياسيان الأمريكيان، في كتاب صدر في أغسطس (آب) الماضي: “نحن نعيش في عصر ذروة الصين… بكين قوة تحريفية تريد إعادة ترتيب العالم، لكن وقتها للقيام بذلك ينفد بالفعل”.
ومن المؤكد أن الزعيم الأعلى للصين شي جين بينغ، يواجه تحديات خطيرة، بما في ذلك شيخوخة السكان، وديون الحكومة المحلية الجامحة، والحكومة الأمريكية المصممة على كبح وصول جيش التحرير الشعبي إلى التكنولوجيا الغربية المتقدمة، كما تقوم أمريكا بإصلاح قواتها المسلحة وحشد التحالفات للتحضير للحرب على تايوان. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الأدلة على أن القوة الصينية، من الناحية العسكرية، بعيدة كل البعد عن التفوق، حسب الصحيفة.

ميزانية الدفاع الصينية

ارتفع ميزانية الدفاع الصينية بمعدل أكثر من 9% سنوياً منذ أن أطلق القادة الصينيون برنامجاً طموحاً للتحديث العسكري في أواخر عام 1990. وفي عام 2023، من المتوقع أن تبلغ الميزانية العسكرية الرسمية للصين 224 مليار دولار، في المرتبة الثانية بعد أمريكا، والتي تبلغ حوالي أربعة أضعاف.
ومع ذلك، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الدفاعي هذا العام بنسبة 7.2%، بما يتماشى تقريباً مع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الإسمي في الصين، وتستثني الميزانية العسكرية بعض البنود الرئيسية مثل تطوير الأسلحة. ومع ذلك، فهو مؤشر مفيد للاتجاه، مما يشير إلى أن الرئيس الصيني يُحيك الإنفاق الدفاعي الأساسي عند 1.6-1.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو تقريبا نفس ما كان عليه في العقد الماضي.

وإذا استطاع أن يؤكد ذلك، استنادا إلى توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحالية لصندوق النقد الدولي، فإن الإنفاق العسكري السنوي للصين سيظل أصغر بكثير من الإنفاق العسكري الأمريكي بحلول 2030، وفقاً لمؤشر آسيا للطاقة الذي أعده معهد “لوي”، وهو مركز أبحاث أسترالي. لكن، الصحيفة ترى أن الصين ستضيق الفجوة بشكل كبير بحلول ذلك الوقت، مما سيزيد الإنفاق العسكري من حيث تعادل القوة الشرائية بمقدار 155 مليار دولار، مقارنة بـ 123 مليار دولار في الولايات المتحدة.

وحتى لو كان اقتصاد بكين ينمو بوتيرة أبطأ مما كان متوقعاً، فإن لدى الرئيس الصيني فسحة كبيرة لتحويل موارد الاقتصاد المدني إلى القوات المسلحة. وداخل القوات المسلحة، يمكنه إعطاء الأولوية للمناطق التي يعتبرها أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، على سبيل المثال من خلال تقليص حجم الجيش، الذي يمثل ما يقرب من نصف أفراد جيش التحرير الشعبي البالغ عددهم 2.2 مليون فرد.

العسكرة البحرية

وتشير الصحيفة إلى أن الإنفاق الدفاعي لا يُترجم دائماً إلى القوة العسكرية، لأن هذا يعتمد على العديد من العوامل الأخرى، بما في ذلك التكنولوجيا والتحالفات والأهداف. لكن في حالة الصين، هناك مؤشر مفيد آخر هو البحرية. وهي تستخدم الكثير من المعدات المختلفة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات، وستقود أي جهد للاستيلاء على تايوان أو إبراز قوتها على مستوى العالم.
وتضيف أن بناء السفن مكلف ويحتاج إلى قاعدة صناعية قوية، لذلك فهو يعكس الصحة الاقتصادية، ومن الممكن أيضاً مقارنة خطط بناء السفن البحرية الصينية بخطط أمريكا، والتي يتم الإعلان عنها.
وبحسب الأرقام، نمت البحرية الصينية في العقدين الماضيين من قوة ساحلية ضئيلة من السفن التي عفا عليها الزمن إلى قوة حديثة إلى حد كبير محلية الصنع يمكنها القيام ببعض المهام بعيداً عن شواطئ الصين، مثل إجلاء مواطنيها من السودان في أبريل المنصرم، لكنها تفتقر إلى وجود ما يكفي من السفن البرمائية الكبيرة لضمان غزو ناجح لتايوان.
ويتوقع البنتاغون أن ذلك سيتغير خلال هذا العقد، حيث تتقاعد البحرية الصينية من آخر سفنها القديمة وتضيف سفناً أكبر وحديثة ومتعددة الأدوار. لديها الآن حوالي 340 سفينة “قوة قتالية”، بما في ذلك الناقلات والغواصات والفرقاطات والمدمرات. ومن المرجح أن يصل هذا الرقم إلى 400 بحلول 2025 و440 بحلول 2030، ومن بين السفن الجديدة سيكون حوالي 12 سفينة برمائية كبيرة أخرى.

الوجود الأمريكي

وتقول “إيكونومست” إنه حتى إذا افترضنا نمواً منخفضاً في ميزانية الدفاع، فإن البحرية الصينية ستستمر في النمو إلى ما يقدر بنحو 356 سفينة بحلول عام 2033، مضيفة ثلاث ناقلات وتسع سفن برمائية كبيرة، وفقاً لمركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية، وهو مركز أبحاث في واشنطن صمم أداة رقمية لتقييم خيارات المشتريات العسكرية الصينية.
وبالمقارنة، كان لدى البحرية الأمريكية قوة قتالية قوامها 296 سفينة في أبريل (نيسان) وتتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى حوالي 290 بحلول نهاية هذا العقد. بعد ذلك، قد تبدأ أمريكا في تضييق الفجوة، إذ لا يزال لدى أسطولها البحري هدف رسمي يتمثل في 355 سفينة. لكن القيود المفروضة على الميزانية والتغيرات السياسية وعوامل أخرى يمكن أن تجعل من الصعب تحقيق ذلك حتى بحلول 2040. وبينما تركز الصين حشدها العسكري على تايوان، يتعين على أمريكا الحفاظ على وجود عالمي.

ومع أن السفن الأمريكية لا تزال أكبر وأكثر قدرة، إلا أنه من المرجح أن تلحق الصين بهذه المواصفات أيضاً في العقد المقبل، حيث تتمثل إحدى مزايا الصين في صناعة بناء السفن الواسعة، وهي الأكبر في العالم، حيث تشكل 44% من السفن التجارية المنتجة في جميع أنحاء العالم في 2021.
وشكلت شركة واحدة تديرها الدولة، وهي شركة بناء السفن الحكومية الصينية، أكثر من خمس الطلبيات العالمية في ذلك العام. لكنها تنتج أيضاً معظم سفن البحرية الصينية، وغالباً في نفس أحواض بناء السفن مثل السفن التجارية.

الخبرة في المعركة

ومع ذلك، تقول الصحيفة إن هناك مجال واحد حاسم ستكافح فيه الصين لمطابقة قدرات أمريكا لسنوات عديدة، إن لم يكن لعقود، وهو الخبرة. لم تخض الصين حرباً منذ الحرب مع فيتنام، التي قاتلت فيها إلى حد كبير على الأرض، في 1979. ولم تتقن فن إبقاء غواصاتها مخفية، مع تتبع الغواصات التي يحتمل أن تكون معادية. وبالمقارنة، شحنت أمريكا تلك القدرات على مدى عقود. وتكافح الصين أيضاً لجذب عدد كاف من المجندين المتعلمين جيداً لتشغيل سفنها الجديدة.

ولا يزال هناك بالطبع خطر أن يذهب الرئيس الصيني إلى الحرب قبل أن تكون قواته المسلحة جاهزة. وستكون الأسباب الأكثر احتمالاً لذلك هي إعلان تايوان رسمياً الاستقلال أو اتخاذ أمريكا خطوات لتعزيز مكانة الجزيرة أو دفاعاتها بشكل كبير. ومع تقدمه في السن وفرضه الزائدة لاعتلال الصحة والتحديات السياسية، هناك احتمال أن يخطئ في التقدير أو ينفد صبره.
وتشير المناورات الحربية الأخيرة إلى أن الصين ربما تكسب صراعاً على تايوان هذا العقد، ولكن ليس بالتأكيد، وأن الخسائر من جميع الأطراف ستكون مدمرة. وكلما طال انتظار شي جين بينغ، زاد التوازن العسكري لصالح الصين، ليس فقط من الناحية التقليدية.
ومع توقعات مضاعفة ترسانة الصين النووية أربع مرات تقريباً بحلول 2035، يأمل الاستراتيجيون الصينيون أن يسهل ذلك الحل السلمي من خلال إقناع كل من تايوان وأمريكا بأن الصراع سيكون مكلفاً للغاية، بحسب الصحيفة.

24

زر الذهاب إلى الأعلى