هنا اوروبا

“سول توك”.. مساعدة نفسية من اللاجئين للاجئين في ألمانيا

ليس من السهل على العديد من طالبي اللجوء الحديث عن تجاربهم ومعاناتهم. لكن مشروع "سول توك" استطاع أن يجعل طالبي اللجوء يفتحون قلوبهم ويتحدثون عن همومهم من خلال تقديم الدعم النفسي لهم بالاستعانة بلاجئين سابقين.

 

 

"كيف حالك؟" هذا السؤال البسيط ليس واحدا من الأسئلة التي يسمعها اللاجئون غالبا. لكن يمكن أن يكون لهذا السؤال دور كبير في مساعدتهم على التعامل مع التوتر والقلق الذي يعانون منه نتيجة للعنف وغيره من الأحداث المؤلمة التي شهدوها.

تقول الأخصائية النفسية ألكسندرا بلاتنر التي تعمل في مركز الإيواء الرئيسي في شفاينفورت في ولاية بافاريا "يواجه اللاجئون الكثير من التوترات والمصاعب أثناء الهروب من بلدانهم"، وتضيف "من المهم جداً ألا يقتصر الاهتمام على صحتهم الجسدية فحسب، بل يجب الاعتناء بصحتهم النفسية أيضا".

بلاتنر هي الأخصائية النفسية المشرفة على مركز "سول توك" للصحة النفسية، والذي يقدم استشارات نفسية واجتماعية لطالبي اللجوء. وهو مشروع مشترك بين منظمة "أطباء بلا حدود" ومستشفى "سانت جوزيف" المحلي، يتم فيه تأهيل لاجئين سابقين ليقدموا المساعدة النفسية لأقرانهم.

التحدث باللغة الأم 

في كل لقاء، يسأل اللاجئون السابقون الذين يتم تدريبهم كمستشارين نفسيين واجتماعيين أقرانهم من طالبي اللجوء "كيف حالك؟" بلغتهم الأم لمعرفة ما يزعجهم. وتقول بلاتنر إن اللغة المشتركة تجعل من السهل على طالبي اللجوء الوثوق بالاستشاريين النفسيين، مما يجعلهم يفتحون لهم قلوبهم.

أثناء جلسات التأهيل النفسي، والتي يكون فيها طالبو اللجوء على شكل مجموعات، يتم التركيز على استراتيجيات التأقلم مع الجو المحيط بالإضافة إلى تقنيات التغلب على الضغط النفسي. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات شاملة حول عدد اللاجئين المستفيدين من الخدمات النفسية في ألمانيا، إلا أن المنظمات الإنسانية تؤكد أن الدعم الحالي غير كاف.

 

 

           Photo Benjamin Bathke"سول توك".. مركز فريد من نوعه للعلاج النفسي في ألمانيا | Photo: Benjamin Bathke

 

 

 

الوقاية خير العلاج

تستفيد غريس، وهي أم من ساحل العاج، من خدمات مركز "سول توك" منذ وصولها إلى ألمانيا في أيلول/سبتمبر الماضي. وتقول إن الدعم النفسي الذي يقدمه المركز ساعدها بالفعل. وتضيف الأم التي تبلغ 29 عاماً لمهاجر نيوز: "إنه لأمر رائع أن تكون هناك مجموعة تتحدث عن العديد من المواضيع، مثل الضغط النفسي والمشاكل النفسية الأخرى".

غادرت غريس بلدها منذ عامين لأن عائلتها أجبرتها على إنجاب طفل بالرغم من أنها مثلية، وتقول بحزن: "لا أريد أن أعارضهم، لكنني قمت بذلك (بالرحيل) بسبب ميولي الجنسية. بعض الناس لا يقبلون هذا في أفريقيا".

لا تُصنّف غريس كـ "مريضة"، بل كـ "مراجعة" (أو زبونة)، وهو تصنيف يركز عليه المركز، ويقصد بذلك أن هدفه ليس تقديم بديل للعلاج النفسي، بل وقاية الناس من الأمراض النفسية. وفي هذا السياق يقول الاستشاري للشؤون الصحية لدى الحكومة الإقليمية، يوست بوتنوب، لمهاجرنيوز: "نحن ندعم طالبي اللجوء الذين يعانون من حالات صعبة لكي لا تتطور إلى أمراض مزمنة".

ومنذ آذار/ مارس 2017، تلقى أكثر من 500 مهاجر الاستشارة النفسية، كما يقوم بين 2 و6 بالمائة من طالبي اللجوء في مركز الإرساء في شفاينفورت بمراجعة المركز بانتظام.

وقد كان مشروع "سول توك"، الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من 20 عاماً من قبل منظمة "أطباء بلا حدود"، أول مشروع في ألمانيا تؤسسه منظمة إنسانية دولية غير حكومية.

 

 

               Photo Benjamin Bathkeطالبة اللجوء القادمة من ساحل العاج غريس تستفيد من خدمات مركز "سول توك" | Photo: Benjamin Bathke

 

 

 

من اللاجئين للاجئين

باريسا هي إحدى الاستشاريين النفسيين الذين يعملون حالياً في المشروع، درست العلوم الاجتماعية في إيران قبل مجيئها إلى شفاينفورت في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، عندما كان يقوم فيه الأطباء بفحص 70 شخصاً جديداً كل يوم. ويقدم كل مركز إيواء في ألمانيا الرعاية الطبية مجاناً لجميع طالبي اللجوء فيه، إلا أن مركز الإرساء في شفاينفورت هو الوحيد الذين يقدم الدعم النفسي أيضاً.

وقد أدركت باريسا عندما كانت لاتزال طالبة لجوء أنها تستطيع مساعدة العديد من أقرانها، فكان كثيرون يأتون إليها ويتحدثون عن مشاكلهم.

وبعد فترة وجيزة من بدء العمل في مركز "سول توك" عام 2017 بعد أن تم تدريبها لمدة 4 أسابيع، قال لها أحد المراجعين: "نحتاج إلى شخص مثلنا يستمع إلينا ويفهمنا". عندها أدركت باريسا أنه يمكنها أن تحدث فرقاً.

التفاهم والتحدث عن الهموم

في أول لقاء مع "المراجعين"، قامت باريسا وزملاؤها الاستشاريون من سوريا وجيبوتي بشرح وظيفتهم قبل كل شيء. تقول باريسا: "نحن نقول لهم إننا لسنا أطباء ولا يمكننا وصف الأدوية، بل نحن استشاريون نفسيون". وتضيف لمهاجر نيوز "أكون سعيدة عندما نساعد شخصاً ما على النوم بشكل أفضل، أو عندما يقول لنا إن الاستشارة جعلته أكثر ثقة بنفسه".

 في البداية كان لدى بعض المراجعين مخاوف حول نقل معلوماتهم الخاصة إلى الجهات الحكومية، إلا أن هذه المخاوف قد ولّت بشكل كبير، كما تقول باريسا، والتي تتابع: "الآن هم يأتون إلينا بأنفسهم". وحتى أن أحد اللاجئين السابقين، الذي يعيش في شفاينفورت، يأتي إلى باريسا بشكل منتظم للحديث عن مشاكله، وتقول: "يدرك العديد من المراجعين أن مشاكلهم الجسدية مثل الصداع أو آلام المعدة قد تكون ناجمة عن الضغط النفسي"، وتضيف: "يقولون لنا إن الطبيب لم يكن يفهمني، لكن الآن كل شيء على ما يرام".

 

 

                 Photo Benjamin Bathkeخلال جلسة الاستشارة تسأل باريسا طالبي اللجوء عن درجة الضغط النفسي لديهم (من واحد إلى عشرة) | Photo: Benjamin Bathke

 

 

احتمال ضعيف للبقاء في ألمانيا

يعيش في مركز الإيواء الرئيسي في شفاينفورت حوالي 750 من طالبي اللجوء. وبالنسبة لمعظمهم فإن احتمال قبول طلب لجوئهم والبقاء في ألمانيا ضعيف، لأنهم ينحدرون من نيجيريا والصومال وساحل العاج والجزائر وأرمينيا – وهي دول لا يحصل غالبية طالبي اللجوء الذين ينحدرون منها على الحماية.

وتدور معظم مخاوف طالبي اللجوء في المركز حول الشكوك بشأن وضعهم القانوني، بالإضافة إلى الشعور بالوحدة والقلق بشأن الأقارب في الوطن. ونتيجة لذلك فهم يعانون من القلق والاكتئاب، ويصل الأمر لدى البعض منهم إلى التفكير بالانتحار.

وبحسب دراسة حديثة، فقد تعرض ثلاثة أرباع طالبي اللجوء القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان للعنف ويعانون نتيجة لذلك من تداعيات جسدية ونفسية، ومع ذلك يقول يوست بوتنوب المستشار للشؤون الصحية: "ليس كل من عانى من الصدمات يحتاج إلى علاج".

البحث عن الدعم المادي

في العام الماضي، احتل مشروع "سول توك" المركز الثالث في مسابقة التمويل الجماعي لجائزة الاندماج في ألمانيا، حيث جمع أكثر من 35 ألف يورو. لكن هذا المبلغ لا يكفي لتوسيع نطاق المشروع الذي سيصبح ممولاً من القطاع الخاص بعد أن انسحبت منظمة "أطباء بلا حدود" من تقديم الدعم. ولهذا السبب يبحث مستشفى "سانت جوزيف" حالياً عن مموّلين إضافيين للمشروع بالإضافة إلى المزيد من الدعم من قبل الحكومة الإقليمية في بافاريا.

ويؤكّد مدير مركز الإرساء في شفاينفورت، ألكسندر فاركوتش، على أهمية مركز "سول توك" في الحفاظ على استقرار الحالة النفسية للمقيمين في المركز. وتشير بلاتنر إلى أنه من المفترض أن تقوم مراكز الاستقبال الأخرى أيضاً بإطلاق خدمات للمساعدة النفسية. الهدف في النهاية هو أن يتم تكرار المشروع النموذجي في جميع أنحاء ألمانيا.

ويؤكد بوتنوب على الحاجة لمزيد من المشاريع المماثلة لـ"سول توك"، خاصة بعد انتهاء التمويل لكثير من المبادرات التي تم إطلاقها في أعقاب أزمة اللاجئين.

يقول بوتنوب: "يتراجع دعم المنظمات غير الحكومية منذ عام 2015، وتحديداً في العام الماضي عندما انتهت فترات تمويل استمرت عامين أو ثلاثة أعوام"، ويضيف: "الخدمات الوقائية هي الأكثر أهمية، حيث أنها ستساعد فيما بعد على الاندماج الاجتماعي أيضاً".

 

 

 

 

 

infomigrants / ر.خ

زر الذهاب إلى الأعلى